مهنة التوثيق بالمغرب: قرن من التأصيل في خدمة الأمن التعاقدي وتحديات العصر الرقمي
مهنة التوثيق بالمغرب

يشهد قطاع التوثيق بالمغرب، مرحلة مفصلية من تطوره، تزامنا مع الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس المهنة، في سياق يتسم بتحولات كبرى على المستويات القانونية والتقنية والاقتصادية، ما يجعل من ورش تأهيل المهنة ضرورة استراتيجية لضمان استقرار المعاملات وصون الحقوق،
كما أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، خلال لقاء وطني بالرباط نظمه المجلس الوطني لهيئة الموثقين بشراكة مع وزارة العدل.
وفي كلمته الافتتاحية، شدد الوزير على أن الرهان اليوم لم يعد فقط تثبيت الإطار القانوني والتنظيمي للمهنة، بل الارتقاء بأدائها، وتخليق ممارساتها، وتكييفها مع التطورات التكنولوجية،
وذلك في أفق تعزيز الثقة في المعاملات القانونية والعقارية، وترسيخ الأمن التعاقدي كأحد ركائز الاستثمار والتنمية المستدامة.
وأشار وهبي، إلى أن وزارة العدل، تشتغل على مراجعة القانون المنظم للمهنة، الصادر سنة 2011، عبر إعداد مشروع قانون جديد يُعزز شروط الولوج، ويُحدث معهدا للتكوين، ويقر التكوين المستمر كشرط أساسي لضمان كفاءة الموثقين واستمرارية تأهيلهم.
وأكد هشام صابري، كاتب الدولة المكلف بالشغل، أن مهنة التوثيق تضطلع بدور محوري في تأمين الحقوق العقارية ودعم مناخ الأعمال، مذكّرا بإسهامها في تحصيل أكثر من 10 مليارات درهم سنويا لخزينة الدولة، ومساهمتها في مداخيل المحافظة العقارية، مما يجعلها رافعة حقيقية للتنمية.
وشدد على أن المهنة تواجه اليوم تحديات حقيقية، أبرزها مواكبة الرقمنة، وتعزيز آليات محاربة غسل الأموال، والتعاون المؤسسي بين الفاعلين، مؤكدا على ضرورة تحديث أدوات الاشتغال وتعزيز أخلاقيات الممارسة.
إعتبر وزير إعداد التراب الوطني والإسكان، أديب بن إبراهيم، مهنة التوثيق شريكا استراتيجيا، في تأمين المعاملات العقارية، وأداة لضمان الاستقرار القانوني والاجتماعي، في حين أبرز الأمين العام، للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، منير المنتصر بالله، البعد التاريخي للمهنة، التي توثق سنويا أكثر من 425 ألف عقد من قبل أزيد من 1800 موثق وموثقة، عبر مختلف جهات المملكة.
وخلال اللقاء، نوهت مسؤولة النيابة العامة، أمينة أفروخي، بالجهود المبذولة من قبل هيئة الموثقين لتأهيل المهنة، خاصة في مجال الرقمنة، والتكوين، والتعاون الدولي، مبرزة المكانة المحورية التي أصبحت تحتلها داخل المنظومة القضائية.
واستعرضت نائبة رئيس هيئة الموثقين، كنزة لمسفر، المسار التاريخي الطويل للمهنة، ومساهمات نسائها ورجالها في بناء صرح قانوني متين، معتبرة أن التوسع العمراني والمالي والتحديات الجديدة للمواطنين والشركات، تفرض أدوارا متجددة على الموثقين.
وقد شهد اللقاء، الذي عرف مشاركة واسعة من مهنيين مغاربة وأجانب، وقضاة، وخبراء، وأساتذة جامعيين، تنظيم جلسات علمية وموائد مستديرة لمناقشة رهانات المهنة، من ضمنها الرقمنة، والذكاء الاصطناعي، والإصلاحات القانونية، في أفق بلورة توصيات تُمكن من تعزيز مهنية القطاع وتحديث آلياته.
احتفال مهنة التوثيق بالمغرب بمئويتها ليس فقط وقوفا على منجزات الماضي، بل محطة لتثبيت موقعها كشريك تنموي فاعل، وضمانة للأمن القانوني، في سياق وطني يسعى لتعزيز الشفافية، وتحفيز الاستثمار، وتكريس دولة الحق والمؤسسات.