
في سياق مواكبة مستجدات العصر ومتغيراته السريعة، احتضنت مدينة جدة فعاليات الدورة التاسعة والأربعين لـ”ندوة الحج الكبرى”، والتي نظمتها وزارة الحج والعمرة بالمملكة العربية السعودية تحت عنوان: “الاستطاعة في الحج والمستجدات المعاصرة”، بمشاركة ثلة من كبار العلماء والباحثين من مختلف دول العالم الإسلامي.
الندوة، التي انطلقت الأحد، جاءت استجابة لتزايد التحديات الصحية والبيئية والتنظيمية التي باتت تؤثر بشكل مباشر على أداء فريضة الحج، وهو ما استدعى إعادة النظر في مفهوم “الاستطاعة” الذي يشكل أحد الشروط الأساسية لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام.
ناقشت الندوة أبعاد الاستطاعة في ضوء الشريعة الإسلامية، مع تسليط الضوء على التطورات الراهنة التي تستوجب فهمًا أعمق لهذا المفهوم، ليشمل إلى جانب القدرة المالية والبدنية، جوانب أخرى تتعلق بالجاهزية التنظيمية، والوعي بالتعليمات والأنظمة، والالتزام بالإجراءات التي تضمن سلامة الحجاج وجودة الخدمات المقدمة.
وشدد المشاركون على أهمية التوعية بمفهوم الاستطاعة الشرعية الشاملة، وضرورة التفاعل مع المتغيرات الحديثة وفق مقاصد الشريعة الإسلامية، مؤكدين على أن تيسير أداء الشعيرة لا يتناقض مع روح التكليف، بل يعكس البعد الإنساني للإسلام، القائم على رفع الحرج والتيسير.
وفي البيان الختامي، دعت الندوة إلى تعزيز البحث العلمي والدراسات الفقهية التي تعالج مفهوم الاستطاعة وفق المستجدات المعاصرة، كما أوصى المشاركون بتفعيل دور الجامعات والمراكز البحثية في تقديم رؤى اجتهادية معاصرة تسهم في تطوير الخدمات وتيسير الإجراءات، ضمن إطار شرعي واضح يحفظ المقاصد ويصون كرامة الحاج.
وأكدت الندوة على حرمة مخالفة الأنظمة المنظمة للحج، لما في ذلك من تهديد مباشر لسلامة الحجاج، وإضرار بجودة الخدمات، وخرق لقواعد النظام العام المنظم لشعيرة الحج.
ونالت المبادرات التي أطلقتها المملكة، وفي مقدمتها “مبادرة طريق مكة” ومنصة “نسك” الرقمية، إشادة واسعة من المشاركين، لما لها من أثر في تيسير رحلة الحاج، بدءا من بلده مرورًا بوصوله إلى الأراضي المقدسة.
وقد استفادت من مبادرة “طريق مكة” هذا العام ثمان دول، من بينها المغرب، حيث استفاد منها ما يفوق 12 ألف حاج مغربي.
وعلى هامش الندوة، أعلن الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، عن الإطلاق الرسمي لملتقى “تاريخ الحج والحرمين الشريفين”، المقرر تنظيمه في شهر نونبر المقبل، وذلك في إطار مشروع بحثي وثقافي ضخم ترعاه دارة الملك عبد العزيز، يهدف إلى توثيق وتحليل تطور شعيرة الحج تاريخيا ومعماريًا وخدميا.
منذ انطلاقتها عام 1977، ظلت ندوة الحج الكبرى تمثل منصة فكرية تجمع علماء الأمة الإسلامية حول قضايا الحج، في تفاعل علمي راق يزاوج بين أصالة الفقه وروح العصر، وهو ما تجسد في دورة هذا العام التي حملت دعوة صريحة إلى تجديد الفهم الفقهي وتطوير الأداء المؤسسي في خدمة ضيوف الرحمن.