الاستنزاف الصامت: مقالع الرمال والمياه بين التراخيص المعقدة والرقابة الغائبة
مقالع الرمال والمياه بين التراخيص المعقدة والرقابة الغائبة

في مداخلة قوية خلال اجتماع لجنة البنيات الأساسية، والطاقة والمعادن، والبيئة والتنمية المستدامة، سلطت النائبة البرلمانية نعيمة الفتاوى، الضوء على واقع مقلق يعيشه قطاع استغلال الموارد الطبيعية بالمغرب، وعلى رأسها المياه والمقالع.
المداخلة، جاءت في إطار مناقشة رأي المجلس الاقتصادي، والاجتماعي والبيئي، بخصوص “آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال الموارد الطبيعية”، وكشفت عن سلسلة من الاختلالات البنيوية الهيكلية، التي تهدد أسس التنمية المستدامة في البلاد.
من أبرز النقاط التي أثارتها النائبة الفتحاوي، تعقيد وبطء مساطر التراخيص، والتي تدفع البعض اللجوء إلى الاستغلال غير القانوني، للمياه والمقالع، في ظل غياب تنسيق فعّال بين الجهات المعنية.
كما أشارت النائبة البرلمانية، إلى أن المخططات التوجيهي، لتدبير الموارد المائية، رغم المصادقة عليها من طرف أغلب وكالات الأحواض، لا تزال تفتقر إلى القوة الإلزامية، بسبب غياب نصوص تنظيمية داعمة.
النائبة وقفت أيضا عند ضعف تدخل شرطة المياه، بسبب قلة الموارد البشرية، وضعف التكوين، إضافة إلى عدم استثمار الوسائل التكنولوجية، لمراقبة الاستغلال المفرط أو غير المشروع، وهو ما يحدّ من فعالية المراقبة، ويترك الباب مفتوحا أمام التجاوزات.
مقالع الرمال والرخام، لم تكن بمنأى عن التشخيص الدقيق، حيث كشفت النائبة عن معطيات صادمة، أبرزها أن من أصل 2920 مقلعا مصرح به، تمت مراقبة 1049 فقط، أي أن أكثر من 1800 مقلع، خارج دائرة المراقبة لأكثر من سنة.
هذا الواقع يزيد من هيمنة القطاع غير المنظم، وما يترتب عنه من خسائر ضريبية، ومنافسة غير مشروعة، واستنزاف بيئي خطير.
كما أوضحت النائبة أن القانون 27.13 المتعلق بالمقالع، والذي دخل حيز التنفيذ منذ سنة 2017، لا يزال يعرف تعثرا كبيرا في إصدار نصوصه التطبيقية، وهو ما يعيق التنزيل الفعلي، للمقتضيات القانونية، على أرض الواقع.
وأشارت إلى أن المخططات الجهوية لتدبير المقالع، التي كان من المفترض، أن تكون جاهزة قبل دخول القانون حيز التنفيذ، لم تُنجز بعد في أي جهة من جهات المملكة.
من النقاط المثيرة التي طرحتها الفتحاوي، هي ارتباط استغلال المقالع باقتصاد الريع، واستمرار وجود مقاولات، تستفيد من الوضع غير المنظم، مقابل مقاولات أخرى تعاني على حافة الإفلاس.
كما حذّرت من التأثيرات البيئية، والصحية، لهذه الأنشطة، التي خلفت مئات المقالع المهجورة، دون أي تصور رسمي لإعادة تهيئتها أو تأهيلها.
ختمت النائبة مداخلتها، بالتأكيد على ضرورة تسريع إصدار النصوص التنظيمية، وتبسيط مساطر التراخيص، وتفعيل آليات الرقابة، إلى جانب إحداث غرف قضائية، خاصة بالبيئة، ونظام معلوماتي وطني، مخصص لتتبع المياه والمقالع.
كما دعت إلى دعم المقاولات المهيكلة وتشجيعها، مع احترام مبادئ الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ملف المياه والمقالع بالمغرب، بات يشكل تحديا تنمويا وبيئيا، من الطراز الرفيع، وفي ظل استمرار ضعف التنسيق، وغموض السياسات العمومية، تبقى موارد البلاد الطبيعية، تحت تهديد دائم، ما يستدعي من كل الفاعلين السياسيين، المؤسساتيين، اتخاذ قرارات جريئة وإصلاحات عميقة، لضمان استدامة هذه الثروات للأجيال القادمة.