اقتصاد

تراجع عدد الوكالات البنكية بالمغرب.. بين ضغط الرقمنة ومنافسة غير معقلنة

تراجع عدد الوكالات البنكية بالمغرب

في ظل تصاعد الانتقادات الموجهة لجودة الخدمات البنكية بالمغرب، كشف بنك المغرب عن معطى لافت، قد يثير مزيدا من الجدل بخصوص توجهات القطاع البنكي، حيث عرف عدد الوكالات البنكية على الصعيد الوطني تراجعا ملحوظا خلال سنة 2024، بعد إغلاق 152 وكالة، مقابل افتتاح 39 وكالة جديدة فقط.

ووفقا لأحدث المعطيات الصادرة عن بنك المغرب، بلغ عدد الوكالات البنكية متم سنة 2024 حوالي 5.701 وكالة، مقارنة بـ5.814 وكالة سنة 2023، ما يمثل انخفاضا صريحا في انتشار الشبكة البنكية، رغم الحديث المستمر عن الحاجة إلى تعزيز الشمول المالي والوصول إلى الخدمات البنكية في مختلف المناطق، خصوصا القروية والنائية.

وحسب مصادر إعلامية، أوضحت أن هذا التراجع لا يعود فقط إلى التغيرات المرتبطة بالرقمنة أو تحول سلوك الزبناء، بل سببه أيضا ما وصفته بـ”المنافسة غير المعقلنة” التي طبعت السنوات الماضية.

فعدد من المؤسسات البنكية، خصوصا البنك الشعبي المركزي والتجاري وفا بنك، انخرطت في سباق محموم لافتتاح الوكالات في مختلف المناطق، أحيانا دون دراسة جدوى حقيقية أو ضمانات للعائد الاستثماري.

وقالت نفس المصادر إن كل مؤسسة كانت تسعى للوجود في مواقع استراتيجية قبل منافستها، ما أدى إلى تخمة في بعض المناطق، مقابل ضعف التغطية في أخرى، لتكون النتيجة في نهاية المطاف تراجعا في الجدوى الاقتصادية لبعض هذه الوكالات، ومن ثم قرار الإغلاق.

من جهة أخرى، يلاحظ متابعون أن الرقمنة المتسارعة للقطاع البنكي، ساهمت بدورها في تقليص الحاجة إلى الوكالات المادية، حيث بات عدد متزايد من البناء، يفضلون إجراء معاملاتهم عبر التطبيقات البنكية أو المنصات الرقمية، ما يقلص من الضغط على الوكالات ويضعف مبررات استمرار بعضها.

رغم ذلك، يطرح هذا التوجه تحديات كبرى، خصوصا في ظل استمرار ضعف التمكين الرقمي لدى فئات واسعة من المغاربة، ووجود فوارق جغرافية في ولوج الأنترنت، والخدمات الرقمية، ما يجعل من الضروري التفكير في نموذج متوازن، يجمع بين الرقمي والمادي، دون إفراط أو تفريط.

التراجع في عدد الوكالات البنكية، لا يعكس فقط تغيرات ظرفية، بل يظهر تحولا بنيويا في ملامح العمل البنكي بالمغرب، يفرض على الفاعلين إعادة تقييم استراتيجياتهم التوسعية، ومراجعة منطق الاستثمار، بما يضمن التوازن بين الربحية من جهة، والمسؤولية الاجتماعية والمالية من جهة أخرى.

ويبقى السؤال مفتوحا: هل سيتمكن القطاع البنكي من مواكبة هذه التحولات، بتخطيط أكثر عقلانية وشمولية؟ أم أن التنافس سيظل مرهونا بمنطق السرعة على حساب الاستدامة والفعالية؟


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى